الخميس، 15 مارس 2012

زواج الزهراء بالإمام علي



1 - زواج الزهراء بالإمام علي

يروي ان أبا بكر وعمر ، رضي الله عنها ، خطبا الزهراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لكل منهما : انتظر بها القضاء ، أو قال : إنها صغيرة ، كما جاء في سنن النسائي عن بريدة رضي الله عنها قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( انها صغيرة ، فخطبها علي فزوجها منه ) .

وروى ابن الأثير في ( أسد الغابة ) ان الرسول صلى الله عليه وسلم لما رفض زواجها لأبي بكر وعمر ، قال عمر : أنت لها يا علي ، قال علي : فقمت اجر ردائي فرحا بما نبهت إليه ، حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : تزوجني فاطمة ، قال : أو عندك شئ ، قلت : فرسي وبدني أي درعه ، قال : أما فرسك فلا بد منها ، وأما بدنك فبعها ، فبعتها لعثمان بن عفان بأربعمائة درهم وثمانين ، قال الزرقاني ثم ان عثمان رد الدرع إلى علي فجاء بالدرع والدراهم إلى المصطفى صلى الله صلى الله عليه وسلم فدعا لعثمان بدعوات ، ولما جاء علي ، بالدراهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وضعها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقبض منها قبضة فقال : أي بلال ، ابتغ لنا طيبا ، وأمرهم ان يجهزوها .

وفي رواية أخرى عن الإمام احمد عن عكرمة : ان عليا خطب فاطمة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما تصدقها ، قال : ما عندي ما أصدقها ، قال : فأين درعك الحطمية التي كنت منحتك ، قال : عندي ، قال أصدقها إياها ، قال : فأصدقها وتزوجها .

وجاء في انساب الأشراف للبلاذري : فباع بعيرا ومتاعا فبلغ من ذلك


- ص 116 -


أربعمائة وثمانين ، يقال أربعمائة درهم ، فأمره ان يجعل ثلثها في الطيب ، وثلثها في المتاع ، ففعل .

وروى ابن عساكر عن انس انه قال : خطب علي فاطمة ، بعد ان خطبها أبو بكر وعمر ، فقال صلى الله عليه وسلم لعلي : ( قد أمرني ربي ان أزوجها منك ) .

وروى الطبراني مرفوعا برجال ثقات: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ان الله أمرني ان أزوج فاطمة من علي )

في طبقات ابن سعد : ان أبا بكر وعمر لما خطبا فاطمة ، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( هي لك يا علي لست بدجال ) يعني لست بكذاب ، لأنه كان قد وعد عليا بها قبل ان يخطبها .

وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال : ( كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيه الوحي ، فلما أفاق قال لي : يا انس أتدري ما جاء جبريل عليه السلام من صاحب العرش عز وجل ، قلت بابي أنت وأمي ، ما جاء به جبريل قال ، قال لي : ان الله تبارك وتعالى يأمرك ان تزوج فاطمة من علي ) .

ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له : انطلق وادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ، وبعدتهم من الأنصار قال فانطلقت فدعوتهم ، فلما اخذوا مجالسهم ، قال صلى الله عليه وسلم بعد ان حمد الله وأثنى عليه ( ان الله جعل المصاهرة سببا لاحقا ، وأمرا مفترضا ، اوشج به الأرحام ، وألزم الأنام ، فقال عز من قائل : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ) ، فأمر الله تعالى يجري إلى قضائه ، وقضاؤه يجري إلى قدره ، ولكل قدر اجل ، ولكل اجل كتاب ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ، ثم ان الله تعالى أمرني ان أزوج فاطمة بنت خديجة من علي بن أبي طالب ، فاشهدوا علي إني زوجته على أربعمائة مثقال فضة ، ان رضي بذلك على السنة القائمة والفريضة الواجبة ، فجمع الله شملهما وبارك لهما وأطال نسلهما ، وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ، ومعادن الحكمة وأمن الأمة ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ) .

قال انس : وكان علي عليه السلام ، غائبا في حاجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه فيها ، ثم أمر لنا بطبق فيه تمر ، فوضع في أيدينا ، فقال صلى الله عليه وسلم : انتبهوا ، فبينما نحن كذلك ، إذ اقبل علي ، فتبسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا علي ، ان الله أمرني ان


- ص 117 -


أزوجك فاطمة ، واني زوجتكما على أربعمائة مثقال فضة ، فقال علي : رضيت يا رسول الله ، ثم ان عليا خر ساجدا شكرا الله ، فلما رفع رأسه ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( بارك الله لكما وعليكما ، واسعد جدكما ، واخرج منكما الكثير الطيب ) ، قال انس : والله لقد اخرج منهما الكثير الطيب ,

وروى الطبراني والخطيب عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لم يبعث الله نبيا قط ، إلا جعل ذريته من صلبه غيري فان الله جعل ذريتي من صلب علي رضي الله عنه ) وارجع الأقوال ان هذا الزواج كان بعد الهجرة وقيل غزوة بدر ، كان في رمضان ( وربما في محرم أو صفر أو رجب ) من السنة الثانية للهجرة ، ومضى على هذا القران شهور ثلاثة ، حتى إذ كانوا ذو الحجة من السنة نفسها ، دخل علي بها وكان جهاز فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سريرا من الخوص مشدودا بالحبال ووسادتين حشوهما ليف ، وبساط صوف ، وجلد كبش يقلب على صوفه فيصير فراشا ، وإناء به سمن جاف يطبخ به ، وقربة للماء ، وجرة وكوزا ، ورملا مبسوطا ورحاء أو رحاءين ، وخفت بعض نساء الأنصار الثريات فاهدين الزهراء ردائين جميلين للزفاف ، وبعض حقاق من الطيب والعطور ، واقرضنها بعض الحلي .

ويروي ابن شهاب الزهري في المغازي ان رسول ا لله صلى الله عليه وسلم قال لبلال : إني زوجت ابنتي ابن عمي ، وأنا أحب ان يكون من سنة أمتي إطعام الطعام عند النكاح ، فات الغنم ، فخذ شاة وأربعة امداد أو خمسة فاجعل لي قصعة لعلي اجمع المهاجرين والأنصار .

وفي رواية أخرى ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( يا علي انه لا بد للعروس من وليمة ) فقال احد أغنياء الأنصار : عندي كبش ، فأعده صاحبه ، ودعا علي رهطا من المهاجرين والأنصار واحضروا الطيب والزبيب والتمر فطعموا .

ويروي الأستاذ أبوعلم انه في ليلة الزفاف هذه ، أتى الرسول صلى الله الله عليه وسلم ببغلته الشهباء ، وثنى عليها قطيفة ، وقال لفاطمة : اركبي فاركبها ، وأمر سلمان ان يقود بها ، ومشى صلى الله عليه وسلم خلفها ومعه حمزة وبنو هاشم مشهرين سيوفهم وأمر بنات عبد المطلب ونساء الهاجرين والأنصار ان يمضين في صحبة فاطمة ، وان يفرحن ويرجزن ويكبرن ويحمدن ، ولا يقلن مالا يرضي الله ونساء النبي صلى الله عليه وسلم معها ، حتى


- ص 118 -


أو صلنها إلى بيت علي .

وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ، الا يحدث شيئا حتى يأتيه ، ثم جاءت العروس الطاهرة البتول ، مع أم أيمن بركة الحبشة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقعدت فاطمة في جانب من البيت ، وقعد علي في الجانب الآخر ، ثم جاء ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( ها هنا أخي ، فقالت أم أيمن : بابي أنت وأمي يا رسول الله ، أخوك ، قال : علي بن أبي طالب ، قالت وكيف يكون أخاك وقد زوجته ابنتك ، قال : هو ذاك يا أم أيمن ، وفي رواية قال نعم ، أي هو كأخي في المنزلة والمؤاخاة ، فلا يمتنع علي تزويجي إياه ابنتي ) .

هذا وكانت النساء قد انصرفن بعد الوليمة ، غير ان النبي صلى الله عليه وسلم وجد امرأة مع الزهراء ، فسألها الرسول صلى الله عليه وسلم عمها يبقيها ، قالت : أنا التي احرس ابنتك ، ان الفتاة ليلة بنائها ( زفافها ) لا بد لها من امرأة قريبة منها ، ان عرضت لها حاجة أو أرادت أمرا أفضت إليها بذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم للمرأة ، وهي أسماء بنت عميس ، فاني اسأل الهي ان يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فغسل فيه يديه ، ثم دعا عليا فجلس بين يديه فنضح على صدره من ذلك الماء وبين كتفيه ، ثم دعا فاطمة فجاءت بغير خمار تعثر في ثوبها ، ثم نضح عليها من ذلك الماء ، ثم قال : ادخل بأهلك باسم الله والبركة ، وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم توضأ في إناء ثم أفرغه على علي وفاطمة ، ثم قال : اللهم بارك فيهما ، وبارك لهما في شملهما ، وفي رواية ، وفي شبليهما ، والشبل ولد الأسد ، فيكون ذلك كشفا واطلاعا منه صلى الله عليه وسلم على ان الزهراء تلد الحسن والحسين ، فأطلق عليهما شبلين .

هذا وقد روى ان السيدة الزهراء بكت تلك الليلة ، ربما لعلها تذكرت أمها الراحلة السيدة الطاهرة أم المؤمنين خديجة ، رضي الله عنها ، فتمنت لو انها كانت معها في تلك الليلة الفريدة من العمر ، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يطيب خاطرها ، فاقسم لها انه لم يأل جهدا ليختار لها أصلح الأزواج ، وما اختار لها الا خير فتيان بني هاشم ، وأضاف ( والذي نفسي بيده قد زوجتك فتى سعيدا في الدنيا ، وانه في الآخرة لمن الصالحين )

وفي رواية للحاكم في المستدرك : فقد أنكحتك أحب أهل بيتي إلي ) .


- ص 119 -


وفي رواية ثالثة ( لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة ، وانه لأول أصحابي إسلاما ، وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلما )

وعن ابن عباس قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة وهي تبكي ، فقال صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا فاطمة ، قالت : يا رسول الله ، عيرتني نساء قريش آنفا ، زعمن انك زوجتني رجلا معدما ، لا مال له ، قال صلى الله عليه وسلم ( لا تبكي يا فاطمة ، فو الله ما زوجتك حتى زوجك الله تعالى من فوق عرشه ، واشهد على ذلك جبريل وميكائيل ) .

وعن بلال بن حمامة قال : ( طلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ووجهه مشرق كدارة القمر ، فقام عبد الرحمن ابن عوف فقال يا رسول الله : ما هذا النور ، فقال صلى الله عليه وسلم بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي ، فان الله زوج عليا من فاطمة ، وأمر رضوان خازن الجنان ، فهز شجرة طوبى فحملت رقاعا ، يعني صكاكا ، بعدد محبي أهل بيتي ، وانشأ تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كل ملك صكا ، فإذا استوت القيامة بأهلها ، نادت الملائكة في الخلائق ، فلا تلقى محبا لنا أهل البيت ، إلا دفعت له صكا فيه فكاكه من النار ، فأخي وابن عمي وابنتي بهم فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار ) .

ولعل سائلا يتساءل : ما في هذا الزواج من الزهراء ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يختص به الإمام وحده ، دون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودون غيره ممن تزوجوا من بنات النبي صلى الله عليه وسلم ؟

من البدهي ان الصهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شرف عظيم ، وقد تزوج عثمان ابن عفان رضي الله عنه بابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رقية وأم كلثوم ) فاكتسب بذلك لقب ( ذي النورين ) ، كما تزوج أبو العاص بن الربيع من زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم غير ان الزواج من الزهراء أمر آخر ، ذلك لان الزهراء قد اختصت من بين أخواتها بهذه الدرجة التي رفعها الله إليها ، فوصفها رسول الله بأنها ( سيدة نساء المؤمنين ) ، وبأنها ( سيدة نساء أهل الجنة ) ، وبأنها ( سيدة نساء العالمين ) ، هذا فضلا عن ان فاطمة وحدها من دون بنات النبي وأبنائه ، هي التي كان منها سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين ، وهما ابنا علي ، وهكذا يصبح النبي صلى الله عليه وسلم لا يرى له ولدا غير ولد فاطمة


- ص 120 -


وعلي ، ولا نسل متصلا الا من كان من فاطمة وعلي ، فاذا ما تذكرنا كذلك ، انه ما من أمر كان يعني النبي صلى الله عليه وسلم في شخصه ، وفي خاصة نفسه ، الا وكان الإمام علي هو الذي يندب للقيام بهذا الأمر ، وليحل محل الرسول صلى الله عليه وسلم فيه ، وليأخذ مكانه الذي تركه وراءه ، فمبيت علي في برد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى فراشه ليلة الهجرة ، وقراءته ما نزل من سورة براءة على أهل الموسم من المسلمين والمشركين ، وخلافته للرسول على آل البيت من غزوة تبوك ، أفلا يسوغ لنا ذلك كله ، كما يقول الأستاذ الخطيب ، ان نذكر معه ، خلافة علي بن أبي طالب للرسول صلى اله عليه وسلم في ان يكون منه نسل النبي ، وان يكون ولد علي وفاطمة نسلا مباركا للنبي ولعلي معا ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوا الحسن والحسين ابنيه فيقول صلى الله عليه وسلم في الحسن ( ان ابني هذا سيد ) وانه صلى الله عليه وسلم يقول في الحسين : ( حسين مني وأنا من حسين ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق